أخر الاخبار

محاضرات في مقياس الحكم الراشد وأخلاقيات المهنة - الطيب بلوصيف

 


الأستاذ: الطيب بلوصيف

محاضرات في مقياس الحكم الراشد وأخلاقيات المهنة

تمهيد:

      كثر الحديث في الآونة الأخيرة على المستوى الإعلامي والسياسي عن مسالة الفساد بمختلف أنواعه في الأنظمة السياسية، والذي تجذر كثيرا في الفضاء العام وهو المجال الذي تركز عليه  الحكومات في مختلف خططها الإصلاحية في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي  وهو ما تلح عليه باستمرار مختلف المنظمات الدولية في إطار ما يعرف بالحكم الراشد، أما في الأنظمة الديمقراطية فان الجدل السياسي والإعلامي فقد انصب حول الحديث عن كيفية تمويل منظمات المجتمع المدني و مختلف الحملات الانتخابية وأنظمة تسيير مختلف الجمعيات وعلى رأسها الأحزاب السياسية.  وعلى العموم فان هناك مجموعة من الأسباب أدت إلى ظهور هذا المفهوم من الناحيتين الفكرية أو العلمية على حد السواء.

ويمكن اعتبار هذا المفهوم كانعكاس للتطورات الحديثة على الساحة الدولية وما انجر عنها من تغيرات سياسية واقتصادية، شكلت التغيرات الحاصلة في طبيعة دور الحكومات إحدى تجلياتها من جهة والتطورات المنهجية الأكاديمية من جهة أخرى، وطرح المفهوم في صياغات اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية متأثرا بالمعطيات التي تفرزها البيئة الداخلية والدولية على حد السواء.

         ويأتي مفهوم الحكم الراشد كمعيار أساسي لتصنيف الأنظمة السياسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة كإحدى الشروط الأساسية لدفع عجلة التنمية، وعلى الرغم أن هذا المفهوم ليس حديثا إلا انه برز في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي بمسار العولمة وأصبح يتصدر الخطابات السياسية واهتمامات منظري التنمية كطرح بديل يبرر أسباب الفشل في مشاريع الإصلاح والهيكلة في العديد من النظم السياسية.

 

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى مجموعة من المؤشرات منها:

-       مسارات العولمة والمتضمنة لــــــــ:

. عولمة القيم والثقافة الديمقراطية كآلية لتسيير الحكم في مختلف أبعادها كإقرار مبدأ التعددية السياسية وخلق فرص التداول السلمي على السلطة.

. عولمة حقوق الإنسان وترسيخ مبدأ المساواة بين جميع أفراد المجتمع مع احترام وإقرار حرياتهم الأساسية.

. الزيادة السريعة في عدد المنظمات الغير حكومية.

. عولمة اقتصاد السوق وما يحمله من آليات وأفكار أدت في النهاية إلى تعزيز دور القطاع الخاص على حساب القطاع العام

. تزايد انتشار التحولات العالمية والتي مست أغلب شعوب العالم.

. الزيادة المعتبرة في معدلات التشابه بين المجتمعات والمؤسسات مع ازدياد وضوح آليات إدارة شؤون الحكم بالاعتماد على آليات المسائلة والمحاسبة على كل المستويات.

-شيوع ظاهرة الفساد على المستوى العالمي نتج عنه ضرورة التفكير في إيجاد آليات تجعل من الأنظمة السياسية أكثر شفافية قصد القضاء على هذه الظاهرة.

 هذه التغيرات الحاصلة سواءا على المستوى الإقليمي أو الدولي انعكست بشكل مباشر على الأدوار التقليدية للدولة كفاعل رئيسي ووحيد، بمعنى أن العوامل الخارجية(الدولية) بفعل تأثيراتها أصبحت تشكل في الأساس أولويات وقضايا السياسات العامة في مختلف الحكومات.

كما ظهرت في هذه المرحلة التاريخية مفاهيم جديدة( التنمية المستدامة، الشفافية، المسائلة، الرقابة الذاتية...).

     وهي مفاهيم مرادفة لمفهوم التنمية إلى جانب بروز تيار عالمي دعا إلى نوع جديد من الليبرالية المحدثة مستندا إلى القيم التقليدية لليبرالية (الحرية الفردية والخيار الشخصي في العمل والسوق)، وهي بذلك تعد مناقضة للحكومة المقيدة لحرية الفرد ولأنظمة الحزب الواحد ، وتقوم على تقديم مجموعة من المبادئ الخاصة بالنظم الغربية على أساس أنها عالمية.

      ويمكن الإشارة في هذا الأساس إلى ما تتخذه مؤسسات النظام الاقتصادي الدولي الجديد التي تعطي أهمية قصوى وشرعية للقطاع الخاص على حساب القطاع العام، وأكدت العديد من الدراسات المتعلقة بالحكم الراشد على أهمية إرساء القيم الديمقراطية والقانون وقواعد الحرية وحقوق الإنسان كمعايير أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية، فتطبيق القانون هو الأمر الثابت بالنسبة لتحقيق المعايير الأخرى، وذلك باحترام كل الأطراف سواءا كانت الحكومة أو القطاع الخاص أو منضمات المجتمع المدني لهذا المعيار الذي يتمتع بسيادة كاملة ويتم من خلاله الفصل في كل القضايا الأساسية التي تمس المصلحة العامة، كما أكدت كذلك هذه الدراسات على مفهوم جديد (التنمية الإنسانية) الذي يشير إلى عملية توسيع الخيارات والفرص مع الحرص على تأكيد المفهوم الواسع للحرية وحقوق الإنسان والحق في المعرفة.

 

مفهوم الحكم الراشد:

      يرتبط المفهوم إلى بعيد بمجموعة من الآليات السياسية التي تقوم على دعم المشاركة بمختلف أشكالها في اتخاذ القرار ومراقبة تنفيذه، وهو ما يدل في الوقت نفسه على درجة نمو البيروقراطية وعملية الترشيد، ذلك أن النسق السياسي يحقق استقلالا حقيقيا وذاتيا عن بقية الأنساق الأخرى ، ذلك انه يقوم على أسس الديمقراطية واحترام القانون في جميع العمليات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يمكن الفرد من الإحساس بأنه يعيش في ظل نظام صالح يستحق الطاعة والتأييد مما يقوي من شرعيته.

أن وضع تعريف محدد للحكم الراشد يضع المفهوم موضع المفاهيم الأخرى في العلوم الاجتماعية التي أثارت جدلا واسعا حول محتواها، ذلك أن محاولة تقديم تعريف بسيط للظاهرة في محاولة لتعميمه على كافة المجتمعات أو تقديمه بطريقة قد تخل بالمعنى وتعيق الرؤية المعمقة للمفهوم كما يمكن أن تفقده صفة العمومية، ويصبح يعكس خصوصية مجتمعات معينة دون الأخرى، ذلك أن لكل مفهوم بيئته الحاضنة الخاصة به ومنظومته المعرفية التي تسنده وترعاه وعملية استرادها من دون تحريرها لمضامينها هو تكريس للتبعية المفهومية، حيث لا يمكن فصل هذه المفاهيم عن اهتمامات الباحثين وانحيازاتهم لمعتقداتهم ونسقهم الحضاري.

  أما فيما تعلق بالترجمة فان المفهوم عانى إشكالية شانه شان العديد من المفاهيم في العلوم الاجتماعية التي تمت ترجمتها من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، مثل GLOBALIZATION  والتي حملت عدة معاني مثل : الكوكبة، العولمة، الكونية. وكلمة Néolibéralisme   التي ترجمت إلى الليبرالية الجديدة وتارة إلى الليبرالية المحدثة وتارة أخرى إلى النيوليبرالية....  وهو الذي يقع بالنسبة لمفهوم الحكم الراشد  Gouvernance  الذي يحمل عدة ترجمات لا تعكس في اغلبها دلالات المفهوم وأهدافه مثل: الحاكمية، الحكم، الحكمانية، إدارة الحكم، الحوكمة، الإدارة المجتمعية.... إلا أن الترجمات تتفق على أن المفهوم يعكس العلاقة بين إدارة شؤون الدولة والمجتمع وهما طرفا المعادلة في عملية التنمية، هذا التعريف الذي تبناه أكثر من مركز بحثي.

     كما عرفها خبراء صندوق النقد الدولي F M I   على أنها محاولة حذرة من طرف المؤسسات المالية الدولية لمناقشة المسألة السياسية بدون الهجوم المباشر النظم السياسية، لان الهدف المنشود من قبل تلك المنظمات هو تحديد سلطة الدولة ليست المشروعة فقط ونما السلطة الفعالة. أما خبراء هيئة الأمم المتحدة فإنهم يعرفون المفهوم على أنه طريقة خاصة لممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية لتدبير شؤون العامة، إلا أن هذه الهيئة تبنت مفهوم الحاكمية الذي يعبر عن المعنى الحقيقي لمفهوم الحكم الراشد أي الذي يعبر عن العلاقة بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص، ولكن يعكس دلالات ذات صبغة دينية وتاريخية يصاحبها دائما جدلا فكريا ومعرفيا.  

 وعلى الرغم من ذلك فانه يجب البحث في المعنى الإجرائي للمفهوم أي في الآليات المناسبة لكل مجتمع لتوظيف الحكم الراشد الذي يهدف إلى  خلق بيئة مناسبة لتنمية القطاع الخاص في إشارة إلى ما هو ملائم للعمل به وما هو مناسب للعمل به كعامل حاسم لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

      أما الإشكالية الأخرى التي تفرض نفسها من خلال الإشكالية السابقة هي إشكالية النموذج والتي تعني مدى ملائمة الأفكار والآليات التي يحملها المفهوم لكافة الثقافات والمجتمعات، وهو ما جعله يتعرض إلى العديد من الانتقادات من حيث انه مفهوم يقوم على تكريس قيم ومنظومة فكرية وسياسية لا تتلاءم وخصوصية بعض المجتمعات، فالبعض من الأهداف التي يحملها قد تتفق وثقافات مجتمعات تمتاز بالتطور والاستقرار في بناها الاقتصادية والاجتماعية.

     إلا أنها موضع شك وريبة في مجتمعات أخرى تمتاز بهشاشة بناها الاقتصادية والاجتماعية مثل تقليص دور الدولة، فضلا على أن المفهوم يتحرك في إطار العولمة التي تلقى معارضة شديدة في بعض المجتمعات التي ترى فيها انعكاس للقيم الغربية كما أن العولمة تقوم على مبدأ تحقيق الربح مما يؤدي إلى تعميم الفقر في مجتمعات أخرى وليس تخفيفه وبذلك فهي تعكس النموذج الغربي ومصالح المؤسسات المالية الدولية لا غير.

       وعلى العموم فان المفهوم له ثلاث أبعاد في إطار نسق كلي:

-       الرشادة السياسية:التي تقوم على احترام حقوق الإنسان  في إطار مبدأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية، ذلك أن الدولة مجبرة على تحقيق الديمقراطية  في إطار دولة القانون وإعطاء دور كبير للمشاركة السياسية وتفعيل دورها.

-       الرشادة الاقتصادية:  وتظهر من خلال الدعم المكثف من طرف الدولة للقطاع الخاص بمختلف الأشكال وذلك لخلق بيئة ملائمة للتنمية وخلق فرص ملائمة للنشاطات الاقتصادية وهو ما يبرزه الدور الحقيقي لاقتصاد السوق.

-        الرشادة الإدارية: تتمحور حول طريقة التسيير العقلاني والعادل والشفاف للموارد البشرية والمالية وذلك بهدف القضاء على كل أشكال الفساد الإداري المتفشي في المجتمع بفرض مجموعة من الإجراءات والمبادئ منها تحقيق اللامركزية التي تستلزم فرض المسؤولية بالجزاء.

كون الحكم الراشد لا يحمل معيارا أوتوماتيكيا واحدا، وعلى هذا الأساس يتم التمييز بين حكم راشد سيئ وحكم راشد جيد وهو ما يجعله ينحسر  في غالب الأحيان عن التعبير عن التسيير الجيد للموارد في المجتمع سواءا كانت المالية أو البشرية أو المادية بما يمكن من خلق الثروة في المجتمع والمحافظة على الأملاك العامة في حركة تشاركية في المجتمع بين مختلف الفاعلية الاجتماعيين، و لا يرتبط فقط بمشاكل الفساد و الانحراف ، وإنما يمتد إلى جميع مظاهر الحياة الاجتماعية، و السلوكيات ، التربية ، التكوين ، الهياكل ، التنظيم ..


المظاهر الأساسية( العامة) للحكم الراشد:

-       إدراك مشروعية السلطة

-       موقع المواطنين من مركز اهتمامات صناع القرار.

-       مشروع مجتمع يرتكز على مشاركة المواطنين .

-       ملائمة الإدارة العامة مع احتياجات المواطنين.


المظاهر الأساسية للحكم الراشد في الثقافة الغربية:

-       الشرعية المؤسساتية

-       الانتخابات الديمقراطية

-       مدى احترام حقوق الإنسان

-       الانفتاح السياسي على العملية السياسية

-       استقلالية القوانين

-       تحقيق مبدأ المساواة

-       المشاركة السياسية

-       الشفافية

-       الاتفاق الحكومي للأغراض العامة

-       الصحافة الفعالة والمستقلة

-       الكفاءة المهنية والإدارية

-       حرية تدفق المعلومات.

إن هذه المظاهر تجعلنا أمام إشكالية اختلاف أهداف وقيم بعض المجتمعات فالبعض منها يركز على الكفاءة والبعض الآخر على الانسجام والإجماع وفي مجتمعات أخرى تعطي الأولوية للحقوق الفردية،فالتعدد وتنوع الإقترابات التي تستخدمها المجتمعات لمواجهة تحدياتها يؤدي إلى الاختلاف في الدرجات و الخطوط المتبعة لتحقيق التنمية ، وهذا ما يقود إلى التساؤل حول تحديد مضامين الحكم الراشد، و إلى الجدل حول القيم و المعايير الثقافية و حول النتائج الاجتماعية المرغوبة.

       و هذا يمتد بدوره إلى الجدل و التساؤل عن دور الحكومة عن علاقة الحكومة مع المواطنين ، وعن العلاقة بين المؤسسات الرسمية ( تشريعية، تنفيذية، قضائية) و كذلك عن أدوار مختلف القطاعات و منه نخلص إلى أن الحديث عن الحكم الراشد يعني الآخذ بعين الاعتبار التاريخ القيم التقاليد،الثقافات المختلفة للمجتمعات، وهذا ما يدعم القول بأنها ليست مرتبطة بمعيار أوتوماتيكيا بمعنى هناك اختلاف في التطبيق و الخصائص باختلاف المجتمعات فضلا عن أن هناك سياسات للحكم الراشد أفضل من الآخر.

ومن وجهة نظر البنك الدولي فإن الحكم الراشد يتمثل في قيمتين أساسيتين:

-       التضمينة : تكمن في المساواة بين كل الأطراف المشاركين في العملية التنموية دون استبعاد لاي طرف، وهي الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع الأفراد.

-       المساءلة: وتعني الحق في مساءلة كل من اختارهم الشعب سواءا على إخفاقاتهم أو نجاحاتهم وهي العملية التي تعتمد في الأساس على المعلومات وتمكن المسؤولين من العمل بطريقة صادقة ونزيهة، كما تمكن كذلك من ترقية أخلاقيات الخدمة العامة وتدفع بالحرص على المصلحة العامة.

 

مكونات الحكم الراشد (بيئة الحكم الراشد):

الحكم الراشد يستعمل كحكم قيمي على ممارسات السلطة السياسية لإدارة شؤون المجتمع باتجاه تطوري من خلال ثلاث أبعاد تتفاعل مع بعضها في إنتاج الحكم الراشد :

-       البعد السياسي المتعلق بطبيعة السلطة السياسية و شرعية تمثيلها

-       البعد التقني المتعلق بالإدارة وكفاءاتها و فعاليتها

-       البعد الاقتصادي - الاجتماعي المتعلق بطبيعة بنية المجتمع المدني و مدى حيويته و استقلاليته عن الدولة من جهة، وطبيعة السياسات العامة في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي، و تأثيرهما على المواطنين من حيث الفقر ونوعية الحياة.

   

العناصر الأساسية التي يتوقف عليها الحكم الراشد:

1- الحكومة:  

    عندما تتواجد فيها عملية انتخابية أي تكون الحكومة منتخبة ووظائف الدولة متعددة الجوانب فهي تركز على إطار التفاعل الاجتماعي الذي يحدد المواطنة تمتلك سلطة المراقبة وممارسة القوة و لديها مسؤولية الخدمة العامة تعمل على خلق بيئة مساعدة وهذه الوظائف تتمثل في:

-       الإطار القانوني والتشريعي المستقر والثابت الفعال والعادل للأنشطة العامة و الخاصة.

-       تعزيز الاستقرار والمساواة في السوق.

-       الاهتمام بتقديم السلع والخدمات، وهي المهمة التي تواجه العديد من التحديات لان الحكم الراشد يهتم أكثر بالفئات الأكثر فقرا من خلال تحقيق وإدامة نوع الحياة الذي يريدون وتحقيقه.

فالمؤسسات الحكومية تستطيع أن تمكن الناس الذين تقوم بخدمتهم و ذلك بتزويدهم بالفرص المتساوية و تدعيم الاندماج الاجتماعي و الاقتصادي والسياسي و فتح المجال للحصول على الموارد لكن لا تستطيع الدولة تمكين الناس إلا بتوفير جهاز تشريعي و عمليات انتخابية وأنظمة قضائية و قانونية تعمل بشكل جيد فضرورة وجود برلمان ينتخب أعضاءه بحرية وعدالة تمثل فيه مختلف الأحزاب و مختلف المناطق من شأنه أن يسمح بزيادة المشاركة الشعبية و مساءلة الحكومة .

     فوجود الثقة تؤدي إلى زيادة الشرعية السياسية فالأنظمة القانونية و القضائية الفعالة بدورها تعمل على  حماية الدولة والقانون وإعادة تعريف لدورها على جميع المستويات وإعادة توجيهه.

 2- القطاع الخاص:

      يشمل القطاع الخاص المشاريع الخاصة للتصنيع و التجارة و المصارف وكذلك القطاع الغير المؤطر في السوق، فالدولة لها قوة كبيرة في تحقيق التنمية، لكنها ليست الوحيدة في هذا المجال فالتنمية البشرية المستدامة تتوقف على خلق فرص للعمل و التي من شأنها تحسين مستويات المعيشة، ومن هذا المنطلق أدركت العديد من الدول أن القطاع الخاص يمثل المصدر الأول لتوفير فرص العمل والتخفيف من البطالة، فالعولمة الإقتصادية غيرت الطرق التي من خلالها تشتغل المنظمات الصناعية و على هذا الأساس اتخذت العديد من الدول إستراتيجيات اقتصادية تتعلق خاصة بخوصصة المؤسسات العامة وفتح المجال لمنظمات القطاع الخاص في العديد من الميادين،   فالحكومة يمكن أن تشجع تنمية القطاع الخاص في إطار ما يسمى بالحكمانية الاقتصادية، بحيث تعمل على جعل هذا القطاع مستداما بواسطة الآليات التالية:

. خلق بيئة مستقرة اقتصاديا

.ايجاد الاسواق التنافسية

.تعزيز المؤسسات لخلق فرص العمل

. استقطاب الاستثمارات لنقل المعرفة التكنولوجية

.تقوية دولة القانون

3- المجتمع المدني:

أصبح مفهوما ملازما للدولة الحديثة، بحث لم يعد بالإمكان الحديث عن علاقات مباشرة بين المواطن والدولة وإنما عن علاقات غير مباشرة تتوسطها مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني وهيئات ونقابات، وهي مرتبطة ارتباطا شديدا بمنظومة من المفاهيم مثل حقوق الإنسان، المواطنة، المشاركة السياسية الشرعية، ذلك أن مفهوم التنمية امتد خلال العقود الأخيرة حيث اصبح يشمل هذه المؤشرات الكيفية مما ادى إلى التغير في الأدوار ولم تعد التنمية عبئا يقع على عاتق الحكومة بل نقلت العديد من الأدوار  لهذا القطاع التطوعي على جميع المستويات.


علاقة الحكم الراشد بالديمقراطية

  الحكم الراشد و الديمقراطية كلتاهما نتاج غربي – أي نتاج الفكر الرأسمالي الليبرالي – فالرشادة سواء أكانت استجابة لأزمة الدولة الرعية عند الغرب، أو أنها ظهرت كحل لفشل الدولة التنموية عند الدول الصاعدة لربط الإصلاحات المؤسساتية و برامج التنمية مع برامج إعادة الهيكلة التي تقدمت بها المؤسسات المالية الدولية، إنها في الحالتين نتاج رأسمالي –غربي.

      فالأنماط و أساليب تطبيق الديمقراطية تختلف من دولة لأخرى، ومن مجتمع لأخر، نتيجة الاختلافات الثقافية و الظروف الاجتماعية و الإقتصادية للدول، وبالتالي ضرورة تكييفها مع البيئة الاجتماعية و الثقافية فإن الرشادة تحتاج هي الأخرى إلى تكييفها مع بيئة كل دولة، كما أن لكل دولة الجانب الذي تنظر منه للرشادة بحيث هناك من يراها من جانب النظام المركزي، إصلاح السلطة التشريعية و التنفيذية فعالية تسيير الموارد الاجتماعية و الإقتصادية والمنظومة التربوية والقضائية.

    إن ترويج الرشادة برز مع نهاية الحرب الباردة و ظهور العولمة، مما يؤكد من جهة على قوة العلاقة بين الرشادة و الديمقراطية ، فالديمقراطية و الرشادة وجهان لعملة واحدة، فالعلاقة هي معيارية قيمية، مكانية، وزمنية.

1- قيمية: الحكم الراشد نتاج الديمقراطية الليبرالية وهذا يعني محاولة هذه الأخيرة سد الثغرات و الفراغات التي بدأت تلوح في الأفق عندما حاولت مجتمعات غير المجتمعات التي نشأت فيها الديمقراطية تطبيقها و محاولة الأولى احتواء الثانية و إخضاعها لمنطقها و نمطها في محاولة للتكيف.

2- معيارية: إذا كانت الديمقراطية تظهر كالنظام الأقل ضررا مقارنة بالأنظمة الغربية الأخرى ، فإن الحكم الراشد (الذي قد سبق وإن قلنا أنه تناج الديمقراطية )هو الآخر ذو صفة معيارية ، بحيث أن إشكالية ترشيد الحكم قد عرفتها كل المجتمعات عبر تطورها التاريخي و حاولت الإجابة عليها لكن الجانب المعياري يكمن في تحديد نمط معين للحكم الراشد ، و ذلك بتحديد مجموعة من العناصر و الشروط التي يتحدد من خلالها هذا المفهوم.

3-مكانية : ليس من الصعب أن تكون المجتمعات الغربية ذات التوجه الليبرالي( أوروبا الغربية، الولايات المتحدة الأمريكية و كندا) وعلى رأسها المؤسسات الدولية و الوكالات التعاونية الثنائية و متعدد الأطراف البادئة في ترويج للحكم الراشد الذي يعتبر نتاجا للفكر الديمقراطي الغربي.

4- زمنية: إن للحكم الراشد علاقة زمنية مع ظاهرة التحول الديمقراطي التي برزت بقوة بعد نهاية الحرب الباردة ، و بروز التحديات (السياسية، الإقتصادية، الاجتماعية و الثقافية/التكنولوجية و العلمية )التي أتت بها ظاهرة العولمة و التي على المجتمعات المتقدمة و /الصاعدة أن تواجهها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فشل البرامج و السياسات التنموية التي تقدمت بها مؤسسات "بروتنوودز "و التي أصبحت لا تنظر إلى عملية التنمية و تسييرها كمجرد نقص في الموارد المادية( المالية على الأخص ) و إنما التركيز على المزاوجة و التوفيق بين الجانب السياسي و الجانب الاقتصادي في عملية التنمية فوجدت هذه المؤسسات في الحكم الراشد بطانتها لما يحتوي هذا المفهوم من أبعاد مختلفة سياسية اقتصادية وثقافية.. وبالتالي السماح لهذه المؤسسات التدخل بطريقة غير مباشرة في الشؤون الداخلية لهذه المجتمعات تحت غطاء هذا المفهوم ذا المحتويات و المضامين غير المحددة

تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -